صفة جزيرة الأندلس
الحميري
قال أبو عبد الله محمد بن أبي محمد عبد الله بن المنعم الحميري: الحمد لله الذي جعل الأرض قرارا، وفجر خلالها أنهارا، وجعل لها رواسي ألزمتها استقرارا، ومنعتها اضطراباً وانتثارا، جعلها قسمين فيافى وبحارا، وأودع فيها من بدائع الحكم وفنون المنافع ما بهر ظهوراً وانتشارا، وأطلع في آفاقها شموساً وأقمارا؛ جعلها ذلولا، وأوسعها عرضاً وطولا، وأمتع بها شيباً وشباباً وكهولا، وعاقب عليها غيوثاً وقبولا، وأغرى بالمشي في مناكبها تسويغاً للنعمة الطولى، وتتميماً لإحسانه الذي نرجوه في الآخرة والألى، وإن في ذلك لعبرةً لمن صار له قلب وسمع وبصر وفهم منقولاً ومعقولا، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا؛ أحمده على جزائل آلائه التي وإلى أمدادها، وأحصى أعدادها، وعم بها البرية وبلادها؛ وصلى الله على نبيه الكريم الذي زويت له الأرض فرأى غايتها، وأبصر نهايتها؛ وأخبر أن ملك أمته سيبلغ ما رآه، وينتهي إلى حيث قدره الخالق وأنهاه. وبعد فإني قصدت في هذا المجموع ذكر المواضع المشهورة عند الناس من العربية والعجمية، والأصقاع التي تعلقت بها قصة، أو كان في ذكرها فائدة، أو كلام فيه حكمة، أولها خبر ظريف، أو معنى يستملح أو يستغرب ويحسن إيراده، أما ما كان غريباً عند الناس، ولم يتعلق بذكره فائدة، ولا له خبر يحسن إيراده، فلا ألم بذكره، ولا أتعرض له غالباً استغناء عنه واستثقالاً لذكره؛ ولو ذهبت إلى إيراد المواضع والبقاع على الاستقصاء لطال الكتاب، وقل إمتاعه؛ فقتصرت لذلك على المشهور من البقاع وما في ذكره فائدة ونكتفى عما سوى ذلك، ورتبته على حروف المعجم لما في ذلك من الإحماض المرغوب فيه، ولما فيه من سرعة هجوم الطالب على اسم الموضع الخاص من غير تكلف عناء ولا تجشم تعبٍ؛ فقد صار هذا الكتاب محتوياً على فنين مختلفين: أحدهما ذكر الأقطار الجهات، وما اشتملت عليه من النعوت والصفات؛ وثانيها الأخبار والوقائع والمعاني المختلفة بها، الصادرة عن مجتليها؛ واختلست ذلك ساعات زماني، وجعلته فكاهة نفسي؛ وأنصبت فيه بفكري وبدني؛ ورضته حتى انقاد للعمل، وجاء حسب الأصل، فأصبح طارداً للهموم، ملقيا للغموم، وشاهداً بقدرة القيوم؛ مغنيا عن مؤانسة الصحب، منبها على حكمة الرب؛ باعثاً على الاعتبار، مستحضراً لخصائص الأقطار؛ مشيراً لآثار الأمم وأحداثها، مشيراً إلى وقائع الأخباز وأنبائها؛ ثم إني قسته بالكتاب
حرف الألف
الأندلس
هذه الجزيرة في آخر الإقليم الرابع إلى المغرب، هذا قول الرازي، وقال صاعد ابن أحمد في تأليفه في طبقات الحكماء: معظم الأندلس في الإقليم الخامس وجانب منها في الرابع كإشبيلية ومالقة وقرطبة وغرناطة والمرية ومرسية.
واسم الأندلس في اللغة اليونانية إشبانيا، والأندلس بقعة كريمتة طيبة كثيرة الفواكه، والخيرات فيها دائمة، وبها المدن الكثيرة والقواعد العظيمة، وفيها معادن الذهب والفضة والنحاس والرصاص والزيبق واللازورد والشب والتوتيا والزاج والطفل.
والأندلس آخر المعمور في المغرب لأنها متصلة ببحر أقيانس الأعظم الذي لا عمارة وراءه، ويقال: إن أول من اختط الأندلس بنو طوبال بن يافت بن نوح، سكنوا الأندلس في أول الزمان، وملوكهم مائة وخمسون ملكاً، ويقال إن الأندلس خربت وأقفرت وانجلى عنها أهلها لمحلٍ أصابهم فبقيت خالية مائة سنةٍ، ثم وقع ببلاد إفريقية محل شديد ومجاعة عظيمة فرقت أهلها، فلما رأى ملك إفريقية ما وقع ببلاده اتخذ مراكب وشحنها بالرجال، وقدم عليهم رجلاً من إفريقية ووجههم، فرمى بهم البحر إلى حائط إفرنجة وهم يومئذ مجوس، فوجههم صاحب إفرنجة إلى الأندلس.
وقيل اسمها في القديم: إبارية، ثم سميت بعد ذلك: باطقة، ثم سميت: إشبانيا من اسم رجل ملكها في القديم كان اسمه إشبان، وقيل سميت بالإشبان الذين سكنوها في الأول من الزمان، وسميت بعد ذلك بالأندلس من أسماء الأندليش الذين سكنوها.
وسميت جزيرة الأندلس بجزيرة لأنها شكل مثلث وتضيق من ناحية شرق الأندلس حتى تكون بين البحر الشأمى والبحر المظلم المحيط بالأندلس خمسة أيام، ورأسها العريض نحو من سبعة عشر يوماً، وهذا الرأس هو في أقصى المغرب في نهاية انتهاء المعمور من الأرض محصور في البحر المظلم، ولا يعلم أحد ما خلف هذا البحر المظلم، ولا وقف منه بشر على خبرٍ صحيحٍ لصعوبة عبوره وإظلامه، وتعاظم موجه وكثرة أهواله، وتسلط دوابه وهيجان رياحه، حسبما يرد ذلك في موضعه اللائق به إن شاء الله تعالى، وبلاد الأندلس مثلث الشكل كما قلناه.
ويحيط بها البحر من جميع جهاتها الثلاث؛ فجنوبيها يحيط به البحر الشأمى، وجوفيها يحيط به
وجهته ولى ششبوت بن الملك غيطشه ميمنته وأخاه ميسرته، وهما الولدان الذان سلبهما ملك أبيهما، فبعثا إلى طارق يسألانه الأمان إذا مالا إليه عند اللقاء بمن معهما، وعلى أن يسلم إليهما ضياع والدهما غيطشة إن ظفر، فأجابهما طارق إلى ذلك، وعاقدهما عليه؛ فلما التقى الجمعان انحاز هذان الغلامان إلى طارق، فكان ذلك سبب الفتح، وكان الطاغية لذريق في ستمائة ألف فارسٍ.
وقد خرجت عن حكم الاختصار الذى التزمت في هذا الوضع فلنقتصر على هذا القدر، وأما ذكر بلاد الأندلس فتأتى في مواضعها اللائقة بها إن شاء الله تعالى.
وافتتحت الأندلس في أيام الوليد بن عبد الملك، فكان فتحها من أعظم الفتوح الذاهبة بالصيت في ظهور الملة الحنيفية؛ وكان عمر بن عبد العزيز معتنياً بها، مهتماً بشأنها، وهو الذي قطعها عن نظر وإلى إفريقية وجرد لها عاملاً من قبله.
أبال
حصن بالأندلس في شمال قرطبة وعلى مرحلة منها، وهو الحصن الذي فيه معدن الزئبق.
وفيه يعمل الزنجفور ومنه يتجهز بالزئبق والزنجفور إلى جميع أقطار الأرض، ويخدم هذا المعدن أكثر من ألف رجلٍ، فقوم للنزول وقطع الحجر، وقوم لنقل الحطب لحرق المعدن، وقوم لعمل أواني السبك والتصفية، وقوم لبنيان الأفران والحرق، ومن وجه الأرض إلى أسفله فيما حكى أكثر من مائة قامةٍ.
وقال النووي في قوله صلى الله عليه وسلم: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن
العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صر
أبذة
مدينة بالأندلس.
بينها وبينب بياسة سبعة أميال، وهي مدينة صغيرة وعلى مقربة من النهر الكبير، ولها مزارع وغلات، قمح وشعير، كثيرة جداً.
وفي سنة 609 مالت عليها جموع النصرانية بعد كائنة العقاب، وكان أهلها قد أنفوا من إخلائها كما فعل جيرانها أهل بياسة، ولم ترفع تلك الجموع يداً عن قتالها حتى ملكتها بالسيف، وقتل فيها كثير، وأسروا كثيراً، ووقع على ما كان فيها بين أجناس النصارى خصام آل إلى الشحناء والافتراق، وكفى الله المسلمين بذلك شراً كثيراً، وكان بعضهم قد طلب أبذة فتنافسوا فيها ولم يأخذها أحد منهم وخربوا أسوارها.
أبطير
حصن بالأندلس بمقربة من بطليوس، من بناء محمد بن أبي بعامر من جليل الصخر، داخله عين ماء خرارة، وهو اليوم خالٍ.
وعلى مقربة منه، بنحو ثلاث غلاءٍ، قبر في نشزٍ من الأرض قد نحت في حجرٍ وقد نضد عليه صفائح الحجارة، ويعرف بقبر الشهيد، ولا يعلم له وقت لقدمه، يرفع عنه بعض تلك الصفائح فيرى صحيح الجسم لم يتغير، نابت الشعر.
وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الح
أربونة
مدينة هي آخر ما كان بأيدي المسلمين من مدن الأندلس وثغورها مما يلي بلاد الإفرنجة، وقد خرجت من أيدي المسلمين سنة 330مع غيرها مما كان في أيدي المسلمين من المدن والحصون.
أرجونة
مدينة أو قلعة بالأندلس، إليها ينسب محمد بن يوسف بن الأحمر الارجوني من متأخرى سلاطين الأندلس.
أرشذونة
بالأندلس وهي قاعدة كورةٍ، ومنزل الولاة والعمال، وهي بقبلى قرطبة، تسقى أرضها وتطرد في نواحيها عيون غزار، وأنهار كبار، وهي برية بحرية، سهلها واسع وجبلها مانع، وسورها الآن مهدوم، ولها حصن فوق المدينة، ولها مدن كثيرة، وبها آثار قديمة، ومن مدنها مالقة، بينهما وعشرون ميلاً.
أرغون
هو اسم بلاد غرسية بن شانجه تشتمل على بلادٍ ومنازل وأعمالٍ.
أركش
حصن بالأندلس على وادي لكه وهو مدينة أزلية قد خربت مراراً وعمرت، وعندها زيتون كثير.
أرنيط
مدينة بالأندلس أولية بينها وبين تطيلة ثلاثون ميلاً، وحواليها بطاح طيبة المزارع، وهي قلعة عظيمة منيعة من أجل القلاع، وفيها بئر عذبة لا تنزح، قد أنبطت في الحجر الصلد؛ وهذه القلعة مطلة على أرض العدو، وبينها وبين تطيلة ثلاثون ميلاً.
إستجة
بين القبلة والغرب من قرطبة بينهما مرحلة كاملة، وهي مدينة قديمة لم يزل أهلها في جاهليةٍ وإسلامٍ على انحرافٍ وخروج عن الطاعة. ومعنى هذا الاسم عندهم جمعت الفوائد؛ وفي أخبار الحدثان إنه كان يقال: إستجة البغي، مذكورة باللعنة والخزى، ويذهب خيارها، ويبقى شرارها.
وكانت هيئتها التي ألفاها عليها طارق بن زياد أن سورها كان قد عقد بسورين أحدهما صخر أبيض والثاني صخر أحمر بأجمل صنعةٍ وأحكم بناءٍ، وردم وسوى ووضع في مواضع الشرفات من المرمر صور بني آدم من كل الجهات تواجه القاصد نحوها فلا يشك الناظر أنها رجال وقوف، وكان لها من الأبواب باب القنطرة شرقي، باب أشونة قبلي، باب رزق غربي، باب السويقة جوفي، وغير ذلك من الأبواب، والمدينة مبنية على الرصيف الأعظم المسلوك عليه من البحر إلى البحر.
وكانت إستجة واسعة الأرباض ذات أسواقٍ عامرةٍ وفنادق جمةٍ، وجامعها في ربضها مبنى بالصخر له خمس بلاطات على أعمدة رخامٍ، وتجاوره كنيسة للنصارى؛ وبإستجة آثار كثيرة ورسوم تحت الأرض موجودة وهي منفسحة الخطة، عذبة الأرض، زكية الريع، كثيرة الثمار والبساتين، نضيرة الفواكه والزرع، ولها أقاليم خمسة.
وكان أهل إستجة ممن خلع وخالف، فافتتحها عبد الرحمن بن محمد على يد بدر الحاجب سنة 300، فهدم سورها ووضع بالأرض قواعدها، وألحق أعاليها بأسافلها، وهدم قنطرة نهرها، وفي ذلك يقول أحمد بن محمد بن عبد ربه "طويل".
فـأولـه سـعــد وآخـــره نـــجـــح ألا إنـه فـتــح يقـــر لـــه الفـتـح
تقـدمهـا نـصـر وتـابعهــا فـتـح سـرى القـاعـد الـمـيمـون خـير سـرية
فلقـوا عـذابـاً كـان مـوعـده الـصـبـح ألـم تـره أردى بـإسـتـجة الـــعـــدا
يتـم لـه عـنــد الإمـــام ولا صـــلـــح فـلا عـهـد لـلـمـراء مـن بـعـد هـذه
وقـد مـسـهـم قـدح ومـا مـسـنـا قـــدح فـولــوا عـبـاديد بـكــل ثــنـــية
وبين إستجة ومرشانة عشرون ميلاً، وكذلك بينها وبين قرمونة.
أشبونة
بالأندلس من كور باجة المختلطة بها، وهي مدينة الاشبونة، والأشبونة بغربي باجة، وهي مدينة قديمة على سيف البحر تنكسر أمواجه في سورها، واسمها قودية، وسورها رائق البنيان، بديع الشأن، وبابها الغربي قد عقدت عليه حنايا فوق حنايا على عمدٍ من رخام مثبتةٍ على حجارة من رخام وهو أكبر أبوابها، ولها باب غربي أيضاً يعرف بباب الخوخة مشرف على سرح فسيح يشقه جدولا ماء يصبان في البحر، ولها باب قبلي يسمى باب البحر تدخل أمواج البحر فيه عند مده وترتفع في سوره ثلاث قيم، وباب شرقي يعرف بباب الحمة، والحمة على مقربةٍ منه ومن البحر ديماس ماءٍ حارٍ وماءٍ باردٍ، فإذا مد البحر واراهما؛ وباب شرقي أيضاً يعرف بباب المقبرة.
والمدينة في ذاتها حسنة ممتدة مع النهر، لها سور وقصبة منيعة؛ والأشبونة على نحر البحر المظلم؛ وعلى ضفة البحر من جنوبه قبالة مدينة الأشبونة حصن المعدن؛ ويسمى بذلك لأن عند هيجان البحر يقذف بالذهب التبر هناك؛ فإذا كان الشتاء قصد إلى هذا الحصن أهل تلك البلاد فيخدمون المعدن الذي به إلى انقضاء الشتاء، وهو من عجائب الأرض.
ومن مدينة الأشبونة كان خروج المغرورين في ركوب بحر الظلمات ليعرفوا ما فيه وإلى أين انتهاؤه، ولهم بأشبونة موضع بقرب الحمة منسوب إليهم يعرف بدرب المغرورين، وذلك أن ثمانية رجال، كلهم أبناء عمٍ، اجتمعوا فابتغوا مركباً وأدخلوا فيه من الماء والزاد ما يكفيهم لأشهرٍ، ثم دخلوا البحر في أول طاروس الريح الشرقية، فجروا بها نحواً من إحدى عشر يوماً؛ فوصلوا إلى بحرٍ غليظ الموج، كدر الروائح، كثير التروش، قليل الضوء، فأيقنوا بالتلف، فردوا قلعهم في اليد الأخرى، وجروا في البحر في ناحية اثنى عشر يوماً؛ فخرجوا
أشونة
من كور إشتجة بالأندلس بينهما نصف يوم، وحصن اشونة ممدن، كثير الساكن.
إصطبة
مدينة بالأندلس على خمسة وعشرين ميلاً من قلشانة، ومن قلشانة، وهي قاعدة شذونة، إلى قرطبة أربعة أيامٍ، ومن الأميال مائة ميلٍ وعشرة أميالٍ.
إغرناطة
مدينة بالأندلس، بينها وبين وادي آش أربعون ميلاً، وهي من مدن إلبيرة.
وهي محدثة من أيام الثوار بالأندلس، وإنما كانت المدينة المقصودة إلبيرة؛ فخلت وانتقل أهلها منها إلى إغراناطة، ومدنها وحصن أسوارها، وبنى قصبتها حبوس الصنهاجى، ثم خلفه ابنه باديس بن حبوس؛ فكملت في أيامه، وعمرت إلى الآن، ويشقها نهر يسمى حدره، وبينها وبين إلبيرة ستة أميال، وتعرف بإغرناطة اليهود لأن نازليها كانوا يهود، وهي اليوم مدينة كبيرة قد لحقت بأمصار الأندلس المشهورة، وقصبتها بجوفيها، وهي من القصاب الحصينة، وجلب الماء إلى داخلها من عينٍ عذبةٍ تجاورها، والنهر المعروف بنهر فلوم ينقسم عند مدينتها قسمين: قسم بحري في أسفل المدينة، وقسم يجري في أعلاها، يشقها شقاً، فيجري في بعض حماماتها، وتطحن الأرحاء عليه خلال منازلها، ومخرجه من جبلٍ هناك، وتلقط في جرية مائه برادة الذهب الخالص، ويعرف بالذهب المدتى، ومقبرة إغرناطة بغربيها عند باب إلبيرة.
وفحص إلبيرة أزيد من مسافة يومٍ في مثله يصرفون فيه مياه الأنهار كيف شاؤوا كل أوان، ومن جميع الأزمان، وهو أطيب البقاع نفعةً، وأكرم الأرضين تربة، ولا يعدل به مكان غير غوطة دمشق وشارحة الفيوم، ولا تعلم شجرة تستعمل وتستغل إلا وهي أنجب شيء في هذا الفحص، وما من فاكهةٍ توصف وتستظرف إلا وما هناك من الفاكهة فوقها، ويجود فيها من ذلك ما لا يجود إلا بالساحل من اللوز وقصب السكر وما أشبهما. وحرير فحص إلبيرة هو الذي ينتشر في البلاد، ويعم الآفاق، وكتان هذا الفحص يربو جيده على كتان النيل، ويكثر حتى يصل إلى أقاصي بلاد المسلمين، وبإلبيرة معادن جوهرية من الذهب والفضة والصفر والحديد والرصاص والتوتيا، وجبل الثلج هو جبل يشرف على جبل إلبيرة.
يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام س
إفراغة
مدينة بقرب لاردة من الأندلس، بينهما ثمانية عشر ميلاً، وهي على نهر الزيتون، حسنة البناء لها حصن منيع لا يرام وبساتين كثيرة لا نظير لها.
وحاضرها العدو في جمع كثيفٍ، وآلى زعيمهم ابن ردمير على نفسه ألا يبرح حتى يأخذها عنوةً، وذلك سنة525، في شهر رمضان منها، فسهد إليه يحيى بن علي بعزمة صادقةٍ ونيةٍ صحيحةٍ في جموعه؛ فلقاه الله تعالى بركتها، وأجناه ثمرتها، وهزمه بعد أن قتل أكثر رجاله، والجملة التي بها كان يصول من أبطاله، وفر اللعين وسيوف المجاهدين تأخذ منه، وعزيمتهم لا تقلع عنه، إلى أن أوى إلى حصنٍ خربٍ في رأس جبلٍ شاهقٍ مع الفل الذي بقي معه بعد الإمساء، وأحدق المسلمون تلك الليلة بذلك الحصن يرقبونه؛ ولما أيقن أنه سيصطلم إن أقام هناك تسلل في ظلمة الليل من ذلك الموضع واتخذ الليل جملاً، وإذا رأى غير شيء ظنه رجلاً.
وانصرف المسلمون مغتبطين بغنيمتهم وأجرهم وكان ذلك سبباً لبقائها بأيدي المسلمين، إلى أن ينقضى أجل الكتاب.
ففي صفة الحال، يقول شاعر الشرق في وقعة يحيى بن علي هذه، أبو جعفر بن وضاح المرسى، من قصيدةٍ يمدحه بها بسيط:
وشـب مـنــك الأعـــادي نـــار غـــيان شـمـرت بـرديك لـمـا أسـبـل الـوانـــى
كالـعـين يهـفـو عـلـيهـا وطـف أجـفـان دلـفـت فـي غـابة الـخـطـى نـحــوهـــم
كـأنـمـا شـربـوا مـنـهــا بــغـــدران عـقـرتـهـم بـسـيوف الـهـنـد مـصـلـتــه
من يكسر النبـع لـم يعـجـز عـن الـبـان هـون عـلـيك سـوى نـفـسٍ قـتـلـتــهـــم
مـقـادر أغـمـدت أسـياف شـــجـعـــان أودى الصـمـيم وعـاقـت عـن هـيئتـهـم
إلا فـرائد أشــياخ وشــــبــــــان وقفـت والـجـيش عـقـد مـنـك مـنـتـثـرا
كـأن تـصـهـالـهـا تـرجـــيع ألـــحــان والخيل تنحـط مـن وقـع الـرمـاح بـهـا
في أبيات غير هذه.
سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب.
وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله
مهيعاً يسلكه أهل الأندلس في مسيرهم ومجيئهم من الشرق إليه على البر لا يركبون بحراً، وأنه أوغل في بلاد إفرنجة حتى انتهى إلى مفازةٍ كبيرةٍ وأرضٍ سهلةٍ ذات آثارٍ، فأصاب فيها ضمناً عظيماً قائماً كالسارية مكتوبة فيه بالنقر كتابة عربية قرئت فإذا هي: يا بني إسماعيل انتهيتم فارجعوا ! فهاله ذلك وقال: ما كتب هذا إلا بمعنى! وشاور أصحابه في الإعراض عنه وجوازه إلى ما وراءه، فاختلفوا عليه، فأخذ برأي جمهورهم وانصرف بالناس وقد أشرفوا على قطع البلاد وتقصى الغاية.
أقش
مدينة هي كانت قاعدة الجليقيين، بينها وبين ليوزدال ثلاثون ميلاً، وكانت أقش قبل هذا منسوبة إلى غرسية بن لب، وهي مبنية بالصخر المربع الكبير، وهي على نهر كبير يدخل منه المجوس بمراكبهم إليهم، وفي المدينة حمة غزية الماء، واسعة الفضاء، يستحم أهلها في جنباتها على بعدٍ من عنصرها لشدة سخونته.
أقليش
مدينة لها حصن في ثغر الأندلس، وهي قاعدة كور شنتبرية، وهي محدثة ، بناها الفتح بن موسى بن ذى النون، وفيها كانت ثورته وظهروه في سنة160، ثم اختار أقليش داراً وقراراً، فبناها ومدنها، وهي على نهرٍ منبعثٍ من عين عاليةٍ على رأس المدينة، فيعم جميعها، ومنه ماء حمامها؛ ومن العجائب البلاط الأوسط من مسجد جامع أقليش فإن طول كل جائزةٍ من جوائزه مائة شبرٍ وإحدى عشر شبراً، وهي مربعة منحوتة مستوية الأطراف.
أقيانس
هو اسم لبحر الظلمات، ويقال له البحر الأخضر، والمحيط الذي لا يدرك له غاية، ولا يحاط بمقداره، ولا فيه حيوان، وهو الذي يخرج منه البحر الرومي الذي هو بحر الشأم ومصر والغرب والأندلس، فإنه خليج يخرج من هذا البحر، وقد خاطر بنفسه خشخاش من الأندلس، وكان من فتيان قرطبة، في جماعة من أحداثها، فركبوا مراكب استعدوها، ودخلوا هذا البحر، وغابوا فيه مدةً، ثم أتوا بغنائم واسعةٍ وأخبارٍ مشهورةٍ.
وإنما يركب من هذا البحر مما يلي المغرب والشمال، وذلك من أقاصي بلاد السودان إلى برطانية، وهي الجزيرة العظمى التي في أقصى الشمال، وفيه ست جزائر تقابل بلاد السودان تسمى الخالدات، ثم لا يعرف أحد ما بعد ذلك، وستأتي إن شاء الله تعالى حكاية أخرى عمن دخل هذا البحر أطول من هذه في موضعها في ذكر الأشبونة.
إلبيرة
من كور الأندلس، جليلة القدر، نزلها جند دمشق من العرب، وكثير من موالى الإمام عبد الرحمن بن معاوية، وهو الذي أسسها وأسكنها موالية، ثم خالطتهم العرب بعد ذلك؛ وجامعها بناه الإمام محمد، على تأسيس حنش الصنعاني، وحولها أنهار كثيرة، وكانت حاضرة إلبيرة من قواعد الأندلس الجليلة، والأمصار النبيلة، فخربت في الفتنة وانفصل أهلها إلى مدينة غرناظة، فهي اليوم قاعدة كورها، وبين إلبيرة وغرناطة ستة أميال.
ومن الغرائب أنه كان بناحية مدينة إلبيرة فرس قد نحت من حجر صلدٍ قديم هناك لا يعلم واضعه، فكان الغلمان يركبونه ويتلاعبون حوله، إلى أن انكسر منه عضو، فزعم أهل إلبيرة أن في تلك السنة التي حدث فيها كسره تغلب البربر على مدينة إلبيرة فكان أول خرابها.
ومدينة إلبيرة بين القبلة والشرق من قرطبة، ومنها إبراهيم بن خالد، سمع من يحيى وسعيد بن حسان، وسمع من سحنون، وهو أحد السبعة الذين اجتمعوا في إلبيرة في وقتٍ واحدٍ من رواة سحنون، ومنها أبو إسحق بن مسعود الإلبيرى صاحب القصيدة الزهدية التي أولها وافر:
وتنحت جسمـك الـسـاعـات نـحـتـا تـــفـــت فـــؤادك الأيام فــــتـــــــا
وهي طويلة جداً، وهو القائل كامل:
لـقـبـيح مـا يأتـــي فـــلـــيس يراك من ليس بالبـاكـي ولا الـمـتـبـاكـي
القصيدة بطولها، وهو القائل سريع:
وأهـون الـدنـيا عـلـى الـعـاقــل ما أميل الـنـفـس إلـى الـبـاطـل
خـلـقـا لـه قـط بـمـســتـــاهـــل آه لـسـرٍ صـنـــتـــه لـــم أجـــد
أكـشـفـه لــلـــيقـــظ الـــســـائل هـل يقـظ يسـألـنـي، عـلـــنـــى
كـان بـه فـي شـغـل شـــاغـــل لـو شـغـل الـمـرء بـتـركــيبـــه
مـاثــلةً فـــي هـــيكـــلٍ مـــائل وعـاين الـحـكـمة مـجــمـــوعة
ويحـك فـق مـن سـنة الـغـافــل يا أيهـا الـغـافـل عـن نـفـــســـه
ٍوساحل إلبيرة كان به نزول الأمير عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الداخل إلى الأندلس حين عبوره إليها.
ألش
بالأندلس إقليم ألش من كور تدمير، بينه وبين أريولة خمسة عشر ميلاً.
وألش مدينة في مستوٍ من الأرض، يشقها خليج يأتى إليها من نهرها، يدخل من تحت السور ويجري في حمامها، ويشق أسواقها وطرقها وهو ملح سبخى.
ومن ألش إلى لقنت خمسة عشر ميلاً، ومن الغرائب أن بساحل ألش بمرسىً يعرف بشنت بول حجراً يعرف بحجر الذئب. إذا وضع على ذئبٍ أوسبع لم يكن له عدوان، وفارق طبعه من الفساد.
والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب
الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف
ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف
أندة
مدينة منكور بلنسية.
أندارة
مدينة عظيمة في شرق الأندلس خربتها البربر.
أندرش
مدينة من أعمال المرية؛ هي من أنزه البلدان، وفيها يقول أبو الحجاج بن عتبة الإشبيلي الطبيب الأديب الشاعر، وقد مر عليها كامل:
حـسـنٍ تـتـيه بـه عـلـى الـبــلـــدان لـلـه أنـدرش لـقـد حـازت عــلـــى
فـي الـروض بـين أزاهـر الـكـتـان الـنـهـر مـنـسـاب سـرت خـلـجـانـه
قـد عـدن راجـعةً عـن الـشـعـبـــان فـكـأنـمـا انـسـابـت هـنــاك أراقـــم
أنيشة أنيجة
بالشين المعجمة والجميم معاً موضع على مقربة من بلنسية وبالقرب من بنشكلة.
وعقبة أنيشة؛ جبل معترض عالٍ على البحر والطريق عليه، ولا بد من السلوك على رأسه، وهو صعب جداً.
وفيه كانت الوقيعة بين المسلمين من أهل بلنسية وبين النصارى، واستشهد فيها الأديب المحدث العلامة أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعى مصنف كتاب الاكتفاء في سير النبي "صلعم" والثلاثة الخلفاء؛ وكانت هذه الوقيعة في سنة 634؛ وكان خطيباً راوية ناظماً ناثراً، ورثاه الكاتب أبو عبد الله بن الأبار القضاعى بقصيدةٍ طويلة أولها طويل.
تقد بـأطـراف الـقـنـا والـصـوارم ألما بـأشـلاء الـعـلـى والـمـكـارم
أحسن فيها ما شاء ، وفيها:
سوافح تزجـيهـا ثـقـال الـغـمـائم سـقـى الـلـه بـســـفـــح أنـــيشة
وفيها:
وكـرهـم فـي الـمـأزق الـمـتـلاحــم أضاعهم يوم الـخـمـيس حـفـاظـهـم
وفيها:
محيا سليمـان بـن مـوسـى بـن سـالـم سـلام عـلـى الـدنـيا إذا لـم يلـح بـهــا
أوريط
مدينة قديمة بالأندلس، كانت عظيمة مذكورة مع طليطلة، وهي معها في حدٍ واحدٍ من قسمة قسطنطين، وإنما عمرت قلعة رباح وكركى بخراب أوريط.
أوريولة
حصن بالأندلس، وهو من كور تدمير، وأحد المواضع السبعة التي صالح عليها تدمير بن عبدوس عبد العزيز بن موسى بن نصير، حين هزمه عبد العزيز ووضع المسلمون السيف فيه، فصالحه على هذه المعاقل وعلى أداء الجزية، وكان حصن أرويولة قاعدة تدميرٍ، وذكره مشروح في ذكر قرطاجنة.
وبين أوريولة وألش ثمانية وعشرون ميلاً، ومدينة أوريولة قديمة أزلية. كانت قاعدة العجم وموضع مملكتهم، وتفسيرها باللطينى الذهبية.
ولها قصبة في نهايةٍ من الامتناع على قنة جبلٍ، ولها بساتين وجنات فيها فواكه كثيرة، وفيها رخاء شامل وأسواق وضياع، وبينها وبين مرسية اثنا عشر ميلاً، وبينها وبين قرطاجنة خمسة وأربعون ميلاً.
ولى قضاءها أبو الوليد الباجى.
أولية السهلة
بالأندلس قريبة من قرطبة، وتعرف بالرملة، وهي أم الأقاليم، كثيرة الأهل، واسعة الخطبة، ومثمرة الأرضين، بها ديار للعجم متقنة البنيان، في أحداها أربع سوارٍ مجزعة من نفيس الرخام في نهاية العظم والطول، عليها الناقوس.
أونبة
من مدن جبل العيون بالأندلس، وهي مدينة ممتنعة بين جبالٍ ضيقة المسالك، وهي قديمة، لها آثار للأول، فيها ماء مجلوب في أقباء واسعةٍ قد خرق بها الجبال الشامخة حتى وصل الماء إلى أسفل هذه المدينة، فيسقى بعض بساتينها، ولا يدري من أين أصل هذا الماء، وشرقى المدينة كنيسة كبيرة معظمة عندهم؛ يزعمون أن أحد الحواريين بها، وما أكثر ما يوجد في حفائر هذه المدينة من آثارٍ عجيبةٍ.
وهذه المدينة برية بحرية، بينها وبين البحر ميلٍ، وبينها وبين لبلة ستة فراسخ.
حرف الباء
باجة
وأما باجة الأندلس فهي من أقدم مدائنها، بنيت في أيام الأقاصرة، وبينها وبين قرطبة مائة فرسخ، وهي من الكور المجندة، نزلها جند مصر وكان لواؤهم في الميسرة بعد جند فلسطين، وهم النازلون بشذونة، فحمل الأمير عبد الرحمن بن معاوية لواءهم، وأسقط جندهم، وأخمل ذكرهم؛ وكان سبب ذلك أن العلاء بن مغيث اليحصبى كان رئيس جند باجة، وفثار بها، وقام بها بدعوة بني العباس، ولبس السواد، ورفع راية سوداء، واجتمع إليه قيام من الناس؛ فقاتله عبد الرحمن بن معاوية في قريةٍ من قرى إشبيلية تعرف بالكرم حتى هزمه الإمام وقتله.
ومدينة باجة أقدم مدن الأندلس بنياناً، وأولها اختطاطاً، وإليها انتهى يوليش القيصر، وهو أول من سمى قيصر، وهو الذي سماها باجة، وتفسير باجة في كلام العجم الصلح وحوز باجة وخطتها واسعة، ولها معاقل موصوفة بالمنعة والحصانة.
ومنها الإمام القاضي أبو الوليد الباجى، سليمان بن خلف، شارح الموطا، الفقيه الأديب، العالم المتكلم، رحل إلى الحجاز والعراق، ولقى العلماء وتجول ثلاثة عشر عاماً، وصنف في الأصول والفروع.
وله "متقارب":
بـأن جـمـيع حـياتـى كـســاعـــه إذا كـنـت أعـلـم عـلـمـاً يقـــينـــا
وأجعـلـهـا فـي صـلاح وطـاعـه فـلـم لا أكـون صـينـنـــا بـــهـــا
ًذكر ابن عساكر في تأريخه أنه توفي في سنة 474 بالمرية، وقبره في الرباط، على حاشية البحر.
ببشتر
بالأندلس، حصن منيع بينه وبين قرطبة ثمانون ميلاً، وهو حصن تزل عنه الأبصار، فكيف الأقدام، على صخرةٍ صماء منقطعةٍ، لها بابان يتوصل إلى أعلاهما من شعب يسلكه الراجل الخفيف، وطريقه عند الطلوع والهبوط على النهر، وأعلى الصخرة سهلة مربعة ذات مياهٍ كثيرةٍ تقطع الحجر، فينبعث الماء العذب، وينبط فيها الآبار بأيسر عملٍ وكدٍ.
وحصن ببشتر كان قاعدة العجم، كثير الديارات والكنائس والدواميس، ولهذا الحصن قرى كثيرة، وحصون خطيرة، وما حوله كثير المياه، والأشجار، والثمار، والكروم، وشجر التين، وأصناف الفواكه، والزيتون؛ وما بها الآن إلا نبذ مما كان، فإن فتنة ابن حفصون أتت على أكثر ذلك.برذال
مدينة من إقليم برغش، كاملة شاملة بضروب النعم كثيرة الفواكه، بينها وبين البحر اثنا عشر
برذيل
في بلاد جليقية، وإقليم برذيل من أشرف أقاليم تلك الناحية، وهو كثير الكروم والفاكهة والحبوب، وهي مدينة كبيرة مبنية بالكلس والرمل، وهي على نهرٍ عجاج يسمى جرونة، وربما عطبت مراكب المجوس فيه عند الأهوال لاتساعه وانخراقه، وبين هذه المدينة وموقع نهرها في البحر مائة وخمسون ميلاً؛ وأهل برذيل في أخلاقهم ولباسهم على أخلاق الجليقيين؛ وبجوفي مدينة برذيل بنيان منيف على سوارٍ ساميةٍ جليلةٍ هو قصر طيطش، وفي سواحل هذه المدينة يوجد العنبر.
برشانة
بالأندلس، وهي حصن على مجتمع نهرين، وهو من أمنع الحصون مكاناً، وأوثقها بنياناً، وأكثرها عمارةً.
برشلونة
مدينة للروم بينها وبين طركونة خمسون ميلاً، وبرشلونة على البحر، ومرساها ترش لا تدخله المراكب إلا عن معرفةٍ، وبها ربض، عليها سور منيع، والدخول إليها والخروج عنها إلى الأندلس على باب الجبل المسمى بهيكل الزهرة، ويسكن برشلونة ملك إفرنجة، وهي دار ملكهم، وله مراكب تسافر وتغزو، وللإفرنج شوكة لا تطاق.
وبرشلونة كثيرة الحنطة والحبوب والعسل، واليهود بها يعدلون النصارى كثرةً، ولها ربض خارج منها، وهي في القسم الثالث من الأندلس، وهي مسورة كبيرة.
وصاحب برشلونة اليوم راى مند بن بلنقير بن بريل، وكان خرج يريد بيت المقدس سنة 446 ، فنزل في مدينة نربونة على رجل من كبراء أهلها، فتعشق امرأته وتعشقته، ثم تمادى في سفره حتى وصل بيت المقدس، ثم كر راجعاً حتى أتى نربونة فنزل على ضيفه بها وليس له هم إلا امرأته، فحكم ذلك التعشق بينهما، واتفق معها على أن تعمل الحيلة في الهروب إليه من بلدها، فيزوجها من نفسه؛ فلما وصل إلى برشلونة أرسل إليها قوماً من اليهود في ذلك، ودخل صاحب طرطوشة في الأمر فأوصلهم في الشوانى إلى نربونة، فلم تتوجه لليهود الحيلة في
أمرها، وأحسن زوجها ببعض شأنها، وكان بها كلفاً فثقفها، فكان تثقيفه لها سبباً لمعونة أهلها، على مرادها، فوصلت مع قوم منهم إلى برشلونة، فنزل راى مند عن امرأته وتزوج النربونية، فلبست الأولى المسوح، وخرجت مع جماعة من أهل بيتها إلى رومة حتى أتت عظيمها وصاحب الدين بها، وهو الذي يسمونه البابه،فشكت إليه ما صنع زوجها، وأنه تركها بغير سبب، وهو أمر لا يحل في دينهم، وأنهم لا يجوز لهم فعله، وإنما حمله على ذلك عشقه لها، وشهد لها شهود قبلهم، فحرم البابه على صاحب برشلونة دخول الكنائس، وأمر أن لا يدفن له ميت، وأن يتبرأ منه جميع من يعتقد النصرانية فلما علم ذلك، علم أنه لا حيلة له معه ولا بقاء في أفقٍ يكون فيه لنصراني حكم؛ فبذل الأموال ودس مشاهير الأساقفة والقسيسين، فأوطاهم على الشخوص إلى البابه، وأن يشهدوا له أنه تقصى عن نسب المرأة التي ترك، فوجدها منه بقربى يحرمها عليه، وأن النربونية فرت من زوجها لذلك، لأنه كانت منه بنسبٍ، وكان يكرهها على المقام معه، فنفذ القوم إلى البابه، وشهدوا للقومس ما أوصاهم عليه، فقبلهم، وأباح له دخول الكنائس ودفن من مات له، وسائر ما حجر عليه.
برغش
في بلاد الروم بالقرب من مدينة ليون، وهي مدينة كبيرة يفصلها نهر، ولكل جزء منها سور، والأغلب على الجزء الواحد منها اليهود، وهي حصينة منيعة، ذات أسواقٍ وتجارٍ، وعددٍ وأموال، وهي رصيف للقاصد والمتحول، وهي كثيرة الكروم، ولها رساتيق وأقاليم معمورة.
بريانة
بالأندلس بقرب عقبة أنيشة.
وهي مدينة جليلة عامرة، كثيرة الخصب والأشجار والكروم، وهي في مستوٍ من الأرض، وبينها وبين البحر ثلاثة أميالٍ، وهي قريبة من بلنسية.
بزليانة
قرية على ساحل البحر، قريبة من مالقة، وهي قرية تشبه بالمدينة في مستوٍ من الأرض، وأرضها رمل، وبها الحمام والفنادق، ويصاد بها الحوت الكثير، ويحمل منها إلى الجهات المجاورة لها، وبينها وبين مالقة ثمانية أميال.
بسطة
مدينة بالأندلس بالقرب من وادي آش، وهي متوسطة المقدار، حسنة الموضع، عامرة، آهلة، حصينة، ذات أسواقٍ، وبها تجارات، وفعلة بضروب الصناعات، وبينها وبين جيان ثلاث مراحل؛ وهي من كور جيان، وشجر التوت فيها كثير.
وعلى قدر ذلك غلة الحرير والزيتون، وسائر الثمار بها على مثل ذلك من الكثرة، وأرضها عذاة كثيرة الريع، وبها كانت طرز الوطاء البسطى من الديباج الذي لا يعلم شفيرها، وبها جبل يعرف بجبل الكحل، لا يزال ينقر منه كحل أسود، يزيد بزيادة القمر، وينقص بنقصانه، لم يزل على ذلك من قديم الدهر.
ومدينة بسطة مدينة مفردة من الجزء الرابع من قسمة قسطنطين، وهي مشهورة بالمياه والبساتين، وكان الأديب أبو الحسن على بن محمد بن شفيع البسطى يقول: لو طبعت على الزهد لحملنى حسن بلادي على المجون والتعشق والراحات!، وكان شاعر بسطة.
بطروش
بالأندلس في طريق قرطبة، وهو حصن كثير العمارة، شامخ الحصانة، لأهله جلادة وحزم على مكافحة أعدائهم، ويحيط بجبالهم وسهولهم شجر البلوط، الذي فاق طعمه كل بلوط على وجه الأرض، ولهم اهتمام بحفظه وخدمته، وهو لهم غلة وغياث في سنى الشدة والمجاعة.
بطليوس
بالأندلس من إقليم ماردة، بينهما أربعون ميلاً، وهي حديثة الاتخاذ، بناها عبد الرحمن بن مروان المعروف بالجليقى بإذن الأمير عبد الله له في ذلك، فأنفذ له جملة من البناة، وقطعة من المال، فشرع في بناء الجامع باللبن والطابية، وبنى صومعته خاصةً بالحجر، واتخذ مقصورةً، وبنى مسجداً خاصاً بداخل الحصن، وابتنى الحمام الذي على باب المدينة، وأقام البناة عنده حتى ابتنوا له عدة مساجد؛ وكان سور بطليوس مبنيا بالتراب، وهو اليوم مبنى بالكلس والجندل، وبنى في سنة 421.
وهي مدينة جليلة في بسيطٍ من الأرض، ولها ربض كبير أكبر من المدينة في شرقيها، فخلا بالفتن، وهي على ضفة نهرها الكبير المسمى الغور، لأنه يكون في موضع يحمل السفن، ثم يغور تحت الأرض حتى لا توجد منه قطرة، فسمى الغؤور لذلك، وينتهي جريه إلى حصن ما رتلة، ويصب قريباً من جزيرة شلطيش؛ ومن بطليوس إلى إشبيلية ستة أيامٍ، ومنها إلى قرطبة ستة مراحل.
بلاطة
فحص بلاطة بالأندلس بين أشبونة وشنترين. يقول أهل أشبونة وأكثر أهل الغرب إن الحنطة تزرع بهذا الفحص، فتقيم في الأرض أربعين يوماً فتحصد، وإن الكيل الواحد منها يعطى مائة كيل، وربما زاد ونقص.
بلطش
بالأندلس، إقليم من أقاليم سرقسطة، ونهر هذا الإقليم يسقى مسافة عشرين ميلاً، وبقرب بلطش موضع ينفجر بالماء العذب أول ليلة شهر أغشت، ومن الغد إلى حد الزوال، ثم يبدو فيه القلوص والنقصان، فإذا غربت الشمس، جف إلى تلك الليلة من العام المستقبل، هذا دأبه أبداً.
بلنسية
في شرق الأندلس، بينها وبين قرطبة على طريق بجانة ستة عشر يوماً، وعلى الجادة ثلاثة عشر يوماً.
وهي مدينة سهلية، وقاعدة من قواعد الأندلس، في مستوٍ من الأرض، عامرة القطر، كثيرة التجارات، وبها أسواق وحط وإقلاع، وبينها وبين البحر ثلاثة أميال. وهي على نهرٍ جارٍ ينتفع به، ويسقى المزارع، ولها عليه بساتين، وجنات، وعمارات متصلة.
والسفن تدخل نهرها، وسورها مبنى بالحجر والطوابى، ولها أربعة أبواب، وهي من أمصار الأندلس الموصوفة، وحواضرها المقدمة، ولأهلها حسن زيٍ، وكرم طباع، والغالب عليهم طيب النفوس، والميل إلى الراحات، وهي في أكثر الأمور راخية الأسعار، كثيرة الفواكه والثمار، جامعة لخيرات البر والبحر، ولها أقاليم كثيرة، وهي في الجزء الرابع من قسمة قسطنطين.
وكان الروم تغلبوا على بلنسية قديماً، ثم أحرقوها عند خروجهم منها سنة495، فقال أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الفتح بن خفاجة كامل:
ومحا محـاسـنـك الـبـلـى والـنـار عـاثـت بـسـاحـتـك الـظـبـى يادار
طـال اعـتـبـار فـيك واسـتـعـبــار فـإذا تـردد فـي جـنـابـك نــاظـــر
وتـمـخـضـت بـخـرابـهـا الأقــدار أرض تقاذفـت الـنـوى بـقـطـينـهـا
لا أنـــت أنـــت ولا الـــديار ديار فجعلت أنـشـد خـير سـادة أهـلـهـا
بنبابش
مدينة في بلاد الإفرنجة، عامرة، كثيرة الأهل، سورها بالآجر والكلس، وبها نحو من خمسمائة حداد، يعملون الدروع والسيوف والبيضات والرماح؛ وهو بلد واسع الخطة، كثير الخير، وتنتهي أحوازها في الجوف إلى البحر المحيط مسيرة ثلاثة أيامٍ، وأهل بنبابش يزعمون أنهم من الإفرنج، يشبهونهم في صفتهم وملابسهم وهيئتهم وأخلاقهم.
بنبلونة
مدينة بالأندلس، بينها وبين سرقسطة مائة وخمسة وعشرون ميلاً، بها كانت دار مملكة غرسية بن شانجه سنة 330، وهي بين جبالٍ شامخةٍ، وشعاب غامضةٍ، قليلة الخيرات، أهلها فقراء، جاعة لصوص، وأكثرهم متكلمون بالبشقية لا يفهمون؛ وخيلهم أصلب الدواب حافراً الخشونة بلادهم، ويسكنون على البحر المحيط في الجوف.
بنشكلة
حصن بالأندلس،وبالقرب من طركونة، منيع على ضفة البحر، وهو عامر آهل، وله قرى وعمارات ومياه كثيرة، وبه عين ثرة تريق في البحر، ويقابل مرسى بنشكلة من بر العدوة جزائر بنى مزغناى، بينه وبينها ستة مجارٍ.
ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت
البونت
هي قرية من أعمال بلنسية، ينسب إليها صاحب الوثائق المجموعة، عبد الله بن فتوح بن عبد الواحد.
بيارة
مدينة بالأندلس، قريبة من بلكونة، بينهما عشرة أميال، وكان ميناها على النهر الأعظم معقوداً بالرصيف، وكانت المحجة العظمى عليها من باب نربونة إلى بابها إلى باب قرطبة، وحنية بابها باقية لم تتثلم وهي عالية، لا يدرك أعلاها فارس بقناته، وكانت من بناء ركارد بن لويلد ملك القوط، وهو الذي جمع الفرق، وقطع الشعوب، وبث الاختلاف، وقدم ثمانين أسقفاً على ثمانين مدينة، وكان مستقره طليطلة، وهو الذي بنى الكنائس الجليلة في نواحي الأندلس، وهو الذي قال بالتثليث.
بيّاسة
بالأندلس أيضاً: بينها وبين جيان عشرون ميلاً، وكل واحدةٍ منهما تظهر من الأخرى؛ وبياسة على كديةٍ من ترابٍ، مطلةٍ على النهر الكبير المنحدر إلى قرطبة، وهي مدينة ذات أسوارٍ وأسواقٍ ومتاجر، وحولها زراعات، ومستغلات الزعفران بها كثيرة.
وفي سنة 623، ملك الروم بياسة يوم عرفة من ذي حجتها، وكان صاحب جيان إذ ذاك عبد الله بن محمد بن عمر بن عبد المؤمن، قد تغير له عبد الله العادل بن المنصور، صاحب إشبيلية، فخافه فخرج إلى بياسة ودخلها، وكلم أهلها في مساعدته وامتناعه بهم، إلى أن يأخذ لنفسه الأمان، فساعدوه على مراده، ومنعوه عن رأيه، فجهز إليه العادل العساكر، وقدم عليهم إدريس بن المنصور؛ فلما نزلوا بظاهر بياسة مكثوا عليها أياماً، والزمان شاتٍ، فلم يغنوا شيئاً؛ وأرد عبد الله صاحب بياسة تفريق ذلك الجمع بما أمكن، فداخله بأن صالحة على أن يدفع له ابناً صغيراً ليكون رهينة لديه بطاعته؛ فوجد إدريس السبيل إلى الانصراف عنه، وكان أكبر همه؛ إذ قد جهده وأصحابه شدة البرد ونزول المطر، إلى ما كانوا يخافونه من مد النهر، ووصول روم طليطلة، الذين كانوا أولياء لصاحب بياسة، وأنصاراً له؛ فخاف أن يدعو بهم، فيلبوه، إذ كان حصل من أنفسهم محلاً كثيراً لشجاعته؛ فارتحل أبو العلاء لذلك، ورأى
ومن أهل بياسة الأديب التأريخى أبو الحجاج يوسف بن إبراهيم البياسى، مصنف كتاب الإعلام لحروب الإسلام، وغيره من تصانيفه.
بيانة
بالأندلس من أعمال قرطبة، وهي من مدن قبرة، وعلى يمين الطريق الذاهب إلى قرطبة، وشرقي قبرة، بينهما عشرة أميال، وهي على ربوة من الأرض طيبة التربة، كثيرة المياه السائحة، ولها حصن منيع، وبها جامع بناه الإمام عبد الرحمن ومنبر، وكانت قبل الفتنة من غرر البلدان، وكان بها أسواق عامرة، وحمامات، وهي كثيرة البساتين والكروم والزيتون، وهي على نهر مربلة، يأتيها من جهة القبلة، وهو نهر كبير، عليه الأرحارء الكثيرة.
ومن بيانة، قاسم بن أصبغ بن محمد بن يوسف بن ناصح بن عطاء البياني، مولى الوليد بن عبد الملك، سمع بقرطبة من بقى بن مخلد وغيره، وبمكة من جماعة، وبالعراق من أحمد بن زهير بن حرب، وهو ابن أبي خيثمة، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وعبد الله بن مسلم بن قتيبة، ومحمد بن يزيد المبرد، وثعلب، وغيرهم.
بيران
حصن من حصون الأندلس، ومن قصيدة ابن الأبار يمدح بها السيد أبا زيد عند انقياد أهل بيران لابنه السيد أبي يحيى أبي بكر سنة622 بسيط:
على الأعـاصـر فـي مـاضـي الأعـاصـير لـلـه قــلـــعة بـيران وعـزتهـا
من سيدٍ قـد هوت من أرفع الــســـور عـنت ودانت على حكم المنـى فـرقـا
على حجاج لهـا مـن قـبـل مـــذكـــور وأذعـنـت وهـي الشماء ذروتـهـا
لأصبحـت بـين تـخريب وتــدمـــير ولو أصرت على الإعـراض ثــانــية
يداً مخـافة صولٍ مـنــك مـشـهــور مـدت إلـيك أبـا زيد بـطـاعـتـهــا
كـمـا تـقـدم تأييد الـمـقــــادير وأكدت في الرضـى والـصفـح رغـبـتـهـا
مـن الأمان لهــا طـلـق الأســـارير فـجـدت جـودك بـالـنـعـمـى بـمـا سـألـــت
أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن
يتبع باقي الموضوع