مظاهر الخصوصية اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية

مظاهر الخصوصية اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية


إذا قالت لك الحقائق العلمية أن المياه لا يمكن أن تصعد الجبل فأنت على الفور تؤمن بذلك لكنك إذا ذهبت إلى اليابان ووجدت أن المياه تصعد بالفعل إلى الجبل فأمامك إحدى استجابتين ، إما أن تظل تؤمن بالحقيقة العلمية ، وإما أن تؤمن بحقائق الاعجاز.
لقد خرجت اليابان من الحرب العالمية الثانية فى نهاية عام 1945 حطاما وما هى إلا أعوام حتى هددت أمريكا فى عقر دارها بـ
- اختلال الميزان التجارى
- اكتساح الأسواق العالمية
- طرد المنتجات الأمريكية من غالبية الأسواق
- أعلى فائض دخل
- سيطرة كاملة على سوق المال والأعمال والتجارة الدولية .
ولكي تكون الصورة واضحة عن مدى تفوق الاقتصاد الياباني فلنأخذ مثلا صناعة السيارات ففي عام 1970 حققت جنرال موتورز عملاق صناعة السيارات الأمريكية تفوقا على كل مؤسسة صناعية اخرى ولم يكن هناك ما يضاهيها ولكن بعد عشرين سنة أصبح من الأسئلة المثارة ما اذا كان باستطاعة جنرال موتورز او أي مؤسسة أمريكية لصناعة السيارات ان تبقى على قيد الحياة عشرين سنة أخرى فحصة اليابان في الأسواق قد عبرت في منتصف 1991 حاجز الـ 30 % وتواصل النمو سنة بعد أخرى ، وحتى الناس أنفسهم الذين كانوا منذ عشرين عاما يعتبرون مدراء صناعة السيارات الأمريكية هم الأفضل أصبحوا اليوم ينتقدونهم باستمرار ويعتبرونهم غير أكفاء
وفي مجال الحاسبات الإلية كانت مؤسسة أي بي ام ibm في بدايات الثمانينات تحصل على جوائز باعتبارها صاحبة أفضل إدارة لكنها ألان تتخذ موقف المدافع امام الشركات اليابانية .
وفي السبعينات كانت صناعة أشباه المواصلات أمريكية بامتياز من حيث التقنية الرفيعة ولكن مع مرور عقدين بدأت أمريكا تفقد هذه الصناعة فالحصة اليابانية في السوق العالمية هي ألان اكبر من حصة الأمريكيين وتواصل الارتفاع
ولا يوجد أي بلد صناعي لديه فائض تجاري في المصنوعات باستثناء اليابان واكبر المصدرين في العالم وهم الألمان ليس لديهم القدرة على أن يتنافسوا بنجاح في السوق اليابانية .
يرجع النجاح الذي حققته اليابان بالدرجة الأساس إلى عظمة الشعب الياباني هذا الشعب الذي ربي تربية حسنة كما يقول لستر ثارو . إن الانتماء القوى الناشئ عن الافتخار باليابان نفسها كآمة يدفع الأفراد لمزيد من العمل حتى فوق ساعات العمل الرسمية ولو كان العمل بغير عائد مباشر على الأفراد ، والحرص على إتقان العمل ، وبذل أقصى درجات الطاقة والاستعداد للتضحية من أجل المجموع ، وعدم التفريط فى التراب الوطني حتى وإن دفعت الدول الأجنبية أضعاف قيمة الأصول المعروضة للبيع ، ويحاربون التدخل الأجنبي ، ويحاربون أي نجاح للأجنبي على ترابهم .
من أين جاء كل هذا الانتماء والاستعداد للتضحية لدى المجتمع الياباني ؟ يقول ثارو إنك إذا نظرت إلى كل العوامل ربما وجدتها متساوية ، وعلى العكس قد تكون فلسفة التوظيف مدى الحياة ، وعدم استخدام الفصل أو التسريح للعمال من المعوقات المنطقية لأي نظام اقتصادي لكنها في اليابان وسيلة لتحسين الإنتاج ، فكيف تتحول أسباب الضعف فى كل النظم السياسية إلى أسباب قوة فى الاقتصاد اليابانى ؟ إنها بالتاكيد إرادة التحدي الناشئة عن وحدة الهدف والرغبة الجامحة فى البناء والبقاء والسيادة . إنه الطابع الجماعي الذى يتلاشى معه الغرور الفردى والإيمان بالعبقرية الفردية .
وهناك نظرة عامة لدى الشعب الياباني تقوم على اساس ان اليابان هُزمت عسكريا ولا بد لها ان تفوز اقتصاديا . ليس هدفهم ألان تحقيق الإرباح بل هدفهم الأساس هو السيطرة الكاملة على الاقتصاد العالمي لتأتي بعدها فترة جني الإرباح . واليابان هي من اكثر دول العالم استثمارا في المستقبل وشعار اليابان هو الغد افضل من اليوم
يوجد فريقان ، فريق يقرض الغد والمستقبل من ادخارات الحاضر واستثماره ، وفريق آخر يقترض من المستقبل ليستمتع أكبر قدر ممكن بالحاضر . هناك من يستثمرون فى المستقبل ، وهناك من يستهلكون المستقبل ، واليابان من النوع الأول وكل الأنجلوساكسونيين وتابعيهم من الفريق الثانى
الإنسان الذي يولد في اليابان كأنما يولد لكي يبني بينما الإنسان الذي يولد في أمريكا أو أوربا كأنما يولد لكي يستهلك ، إن الذين تركوا الآثار العظيمة كالكاتدرائيات والكنائس ، والآثار المصرية لم يكونوا إلا بناة عظاما. والاقتصاد اليابانى هو اقتصاد البناة العظام .